الهندسة الناعمة للورقة الأميركية: لبنان يقبل… دون أن يرفع الراية البيضاء”

بقلم: أشرف عبد الخالق
مقدمة: في خضمّ التقاط الأنفاس بعد التصعيد غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، وجد لبنان نفسه مرة أخرى في قلب العاصفة. لكن هذه المرة، ليس كجبهة نار، بل كجبهة دبلوماسية معقّدة يُعاد فيها رسم معادلة القوة والنفوذ في الإقليم.
الورقة الأميركية: عرض أم أمر واقع؟ المبعوث الأميركي توماس براك سلّم رسميًا ورقة بعنوان “مقترحات خطوة بخطوة” إلى رئيس البرلمان نبيه بري، تتضمن:
١.انسحابًا إسرائيليًا من النقاط الخمسة المحتلة في الجنوب.
٢.نزعًا تدريجيًا لسلاح حزب الله، أو على الأقل خروجه من الجنوب.
٣.سيطرة الجيش اللبناني على المناطق جنوب الليطاني.
٤.ربط التنفيذ بحوافز اقتصادية هائلة من المؤسسات الدولية.
لماذا لا يُرفض هذا العرض؟ الورقة مدعومة من واشنطن، وتحظى بتأييد أوروبي وخليجي، وتمثّل مدخلًا حقيقيًا لإطلاق عجلة الاقتصاد اللبناني. رفضها يعني ببساطة خسارة الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلاد من الانهيار، وتحميل الدولة و”المقاومة” تبعات ذلك.
لكن… لن يقبلها لبنان كما هي. بل سيُهندسها.
نبيه بري في موقع صانع التوازنات رئيس البرلمان اللبناني، المعروف بقدرته على المناورة، لا يفاوض على المضمون بل على الشكل. وسيسعى إلى تقديم الورقة على النحو التالي:
1.ليس “نزع سلاح”، بل “تنظيم الانتشار الأمني”.
2.ليس خضوعًا لإملاءات، بل “استعادة السيادة عبر انسحاب الاحتلال”.
3.ليس تنازلاً، بل قرار وطني لحماية لبنان من الانهيار.
كيف تُقدَّم الورقة للبنانيين؟ الهندسة السياسية والإعلامية ستُظهر الورقة كفرصة لـ:
-إعادة بسط سلطة الدولة.
-تحقيق نصر دبلوماسي عبر استرجاع الأرض.
-تأمين الحماية للمقاومة من دون دفعها إلى الزاوية.
-تجنيب لبنان أن يكون مسرحًا دائمًا للصراع الإقليمي.
ماذا عن حزب الله؟ حزب الله يدرك خطورة المرحلة، وسيتعامل ببراغماتية. قد لا يعلن قبوله، لكنه لن يرفض، بل سيطلب تعديلات شكلية تحفظ ماء الوجه، مثل الجدولة الزمنية، والاحتفاظ بمنظومة الردع خارج الجنوب.
هل يعني هذا بداية التطبيع؟ إذا ما نُفِّذت الورقة، فإن التطبيع يصبح تحصيل حاصل، ولكن دون إعلان رسمي. سيكون تدريجيًا، ناعمًا، ومن تحت الطاولة:
•تنسيق أمني عبر اليونيفيل.
•زيارات تقنية اقتصادية.
•تخفيف الحملات الإعلامية.
•وربما مستقبلًا فتح ممرات برّية وتجارية غير مباشرة.
ما فات نتنياهو ويدركه لبنان؟ في هذا المشهد، أخطأ نتنياهو في أمرين:
- أن الزمن تغيّر: المعادلات الإقليمية لم تعد تُرسم من تل أبيب وحدها.
- أن التوازن تغيّر: لبنان ضعيف عسكريًا، لكنه بات يملك أوراقًا سياسية بفضل دهاء مثل نبيه بري، وغطاء دولي يريد من لبنان أن يلعب دور الحاجز لا الساحة.
خاتمة: هندسة لا انكسار لبنان لا يذهب نحو التسليم، بل نحو تدوير زوايا الأزمة. القبول بالورقة الأميركية لا يُعد هزيمة، بل خطوة ضمن سياسة واقعية تُجنّب البلاد حربًا لا طاقة لها بها، وتفتح نافذة إصلاح طويل.
إنها ليست معادلة “سلاح مقابل سلام”، بل “سيادة مقابل استقرار”. وبين السطور، يكتب لبنان دورًا جديدًا: لا بجيش قوي، ولا بسلاح ثقيل… بل بدهاء دبلوماسي يُعيد التموضع، ويحفظ ماء الوجه، ويكسب الوقت.
فهل ينجح؟
