الدكتورة عائشة فتحي يكن: الشعور بالغبن والظلم هو الدافعُ الرئيس لإلقاء النفسِ بالتهلُكة

قالت رئيسة المركز اللبناني للعدالة الدكتورة عائشة فتحي يكن : “في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، ماذا عسانا أن نقول، ونحن في خضم أزمة اقتصادية واجتماعية ومعيشية غيرِ مسبوقة، جرّدت المواطن ليس من أبسط حقوقه المعيشية فحسب، بل من كرامته وانسانيته، وصحته الجسدية والنفسية، وسلامته وأمنه، الأمر الذي جعله يندفع في عرض البحر عبر قوارب الموت بحثا عن العدالة المفقودة والكرامة المسلوبة”.
ولفتت يكن الى أن هذا الموضوع شكل “محورَ نشاطنا في الأشهر الماضية ولا يزال يحتلّ حيّزا مهما من أعمال المركز اللبناني للعدالة”.
وأكدت الدكتورة يكن أن “الامام المغيّب موسى الصدر أدرك أهميّة العدالة الإجتماعية، ودعا إلى رفع الغبن والحِرمان عن اللبنانيين عموما، وعن أكثرهم غبنا وحِرمانا، وكان شعاره “العدالةُ الاجتماعية تعزّز الشعورَ بالمواطنية”.
كلام االدكتورة يكن جاء خلال الندوة التي نظمها مركز الدراسات المسيحية الإسلامية في جامعة البلمند، بالتعاون مع المركز اللبناني للعدالة، تحت عنوان: “العدالة الاجتماعية في فكر الإمام موسى الصدر”، وذلك في مبنى نهيان بجامعة البلمند في الكورة.
وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقتها الدكتورة يكن في الندوة:
بسم الله الرحمن الرحيم
“إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون” صدق الله العظيم
ضيفة الشرف الدكتورة السيدة رباب الصدر، أصحاب السعادة وممثليهم، أصحاب السماحة أصحاب السيادة وممثليهم، السادة العمداء، الأساتذة والطلاب، السيدات والسادة، أيها الحفل الكريم، أسعد الله مساءكم بكل خير..
باسمي وباسم المركز اللبناني للعدالة أرحب بكم أجملَ ترحيب، ويطيب لي أن نلتقي اليوم رَغْمَ الأزمات المتتالية التي تعصف بلبنان والجوار، ورغم الكوارث الطبيعية والأمراض والحروب التي أرخت بظلالها على المشهد الانساني فبات اللسان عاجزا، والقلب متألما، والأنظار شاخصة نحو السماء، ترجو الخلاص وتَنشُد الرحمة من ربٍ رحيم.. فما أحوجَنا اليوم إلى العدالة، ليس في لبنان الجريح فحسب، بل في هذا العالم المتوحّش الذي يزدادُ ظلما وجورا يوما بعد يوم.
وفي هذه المشهدية القاتمة، لا يسعني إلا أن أستشهد بقول سماحة الإمام المغيّب موسى الصدر الذي يدعونا إلى العمل ومواجهة المصائب والكوارث بكل الوسائل الممكنة، حيث يقول “إن المصائبَ والأمراض، شأنُها شأنُ الكوارثِ الطبيعية، تدفعُ الإنسانَ إلى معرفة أسبابِها، وتجنّبِ مآسيها، والسيطرةِ عليها قدر المستطاع، فهي مدرسةٌ إلهيةٌ تنمي المعرفةَ البشرية”.
أيها الحضور الكريم،
في اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، ماذا عسانا أن نقول، ونحن في خضم أزمة اقتصادية واجتماعية ومعيشية غيرِ مسبوقة، جرّدت المواطن ليس من أبسط حقوقه المعيشية فحسب، بل من كرامته وانسانيته، وصحته الجسدية والنفسية، وسلامته وأمنه، الأمر الذي جعله يندفع في عرض البحر عبر قوارب الموت بحثا عن العدالة المفقودة والكرامة المسلوبة. وقد شكّل هذا الموضوعُ محورَ نشاطنا في الأشهر الماضية ولا يزال يحتلّ حيّزا مهما من أعمال المركز اللبناني للعدالة.
وعند تفكيكنا لأسباب الهجرة غير النظامية، تبين لنا أن الشعورَ بالغبن والظلم والهوان هو الدافعُ الرئيس لإلقاء النفسِ بالتهلُكة، من هنا كان اختيارُ هذا العنوان، واختيارُ هذه المناسبة لتسليط الضوء على أهمية العدالة الاجتماعية في تحقيق استقرار المجتمع وأمنه.
ومن المفارقة، أن فكرةَ العدالةِ وتطبيقاتِها شكّلت محورَ اهتمامِ الفلاسفةِ والمفكرين عبر تاريخ البشرية؛ ونادت بها كلُ الشرائعِ السماوية والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ من حمورابي الذي قال “إني أتيتُ كي أنشر العدالة بين الناس كما تنشرُ الشمسُ ضياءَها على الأرض”، إلى أفلاطون الذي رأى أن العدالة توجد عندما يؤدي كلّ فردٍ دورَه الصحيح ويساهمُ في الصالح العام للمجتمع، إلى سقراط الذي نادى بإيتاءِ كلِ إنسانٍ ما له؛ إلى أرسطو الذي ناقش في عدالة التعويض وعدالة التوزيع، إلى التعاليم المسيحية التي أنقذت جوهرَ الإنسان بإحلالِ مفهومِ الأخوة والمساواة لأن الجميعَ عيالُ الله؛ إلى الإسلام الذي أحيا الأخوةَ الانسانية واعتبر الناس سواسيةً كأسنان المشط. مرورا بالفارابي وابن سينا والغزالي وابن خلدون الذي اعتبر أن الظلمَ مؤذّنٌ بخراب العُمران، ولا ننسى St Augustineومن بعدِه توماس الأكويني، و Kant، و Hobbes و Locke و Rousseauوالعقد الاجتماعي، وMarx الذي اعتبر أن إقامة العدل يعني تحرير المجتمع من الاستغلال، وصولا إلى John Rawls الذي رأى العدالة كإنصاف، ولعل نظريته هي الأكثر تماهيا مع المسيحية والإسلام ؛ ومع ذلك لم تشهد البشريةُ فتراتٍ طويلة من العدالة والسلام، بل إن الأنظمةَ السائدة اليوم، أدت إلى مزيد من التفاوت الطبقي، وتركُّز الثروة في يدِ قلة من الناس، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية الحادّة التي تنعكس على الطبقات الأكثر فقرا وتهميشا.
وقد أدرك الإمام المغيّب موسى الصدر أهميّة العدالة الإجتماعية، ودعا إلى رفع الغبن والحِرمان عن اللبنانيين عموما، وعن أكثرهم غبنا وحِرمانا، وكان شعاره “العدالةُ الاجتماعية تعزّز الشعورَ بالمواطنية”.
ولطالما دعا إلى الحوار بين اللبنانيين وبين الديانات السماوية والحضارات الإنسانية. فهو يؤمن بأن حل المشكلات البشرية لا يتحقّق إلا بالحوار، الذي يؤمن بالتعدّد، وبالتالي بالاعتراف بالآخر، والتسامح، ومن ثم احترام انسانية الانسان.
على هذه المبادئ نلتقي اليوم، وحول هذا الفكرِ الرُؤيويّ، الذي نحن في أمس الحاجة إليه، نعقِدُ ندوتَنا في هذا المركز تحديدا، مركز الدراسات المسيحية الإسلامية في جامعة البلمند الذي يهدِف إلى الحوار والتلاقي من أجل توثيق العرى بين المسيحيين والمسلمين. فكل الشكر لمركز الدراسات المسيحية الإسلامية على هذه المشاركة والتعاون بشخص مديره الدكتور الياس الحلبي الذي لا يألو جَهدا في تعزيز ثقافة الحوار، وعلى أمل ان تكونَ هذه الندوة بدايةُ تعاونٍ مثمر بين المركز اللبناني للعدالة ومركز الدراسات المسيحية الإسلامية ومؤسسات الإمام الصدر .
فلنشمر جميعا عن سواعدنا ولنتابع مشوار العدالة معا، لبنانيين، مسلمين ومسيحيين، لأنها من صُلب عقيدتِنا، وإيماننا بمجتمعٍ عادل وحياة كريمة؛ وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون.
نرحّب بضيوفنا المتحدّثين، رمز الحوار والتلاقي والعيش المشترك، قدس المتقدّم في الكهنة البروفسور بورفيريوس جرجي، وسماحة المفتي الدكتور مالك الشعار الذي فتح داره وقلبه لكافة الأفرقاء وحافظ على السلم الأهلي في المدينة، والدكتورة السيدة رباب الصدر التي أكملت مسيرة الإمام الصدر بحكمة وعزيمة وإيمان، شكرا لحضوركم جميعا، عِشتم وعاش لبنان.